أحدث المقالات

عمرو أشرف يكتب : أرواح متوازية في جسد واحد

عمرو أشرف يكتب : أرواح متوازية في جسد واحد

عمرو أشرف يكتب : أرواح متوازية في جسد واحد

هدوء تام يملئ الفراغ من حولي و أنا أقف بجانب شُعلتي الصغيرة منتظراً حتى أنتهي من تحضير قهوتي ، مرت دقائق قليلة لتكون جاهزة ، أحضرت لك أنت الآخر واحدة ، لتكن رفيقي في هذه الجلسة، و الأن لنذهب سوياً لنقف خلف هذه النافذة الزجاجية ، ها؛ ماذا ترى الان يا رفيقي ؟

نعم شتاءٌ لطيف يسيطر على الأجواء بلونٍ فضي هادئ، و لكن لا تشغل بالك بالوقت ولا تسألني ما الذي يحدث !  
كم أحببت ذلك الهواء البارد المنعش و المطر الخفيف قبل أن يصل ذروته ، و الأن لنعمق النظر أكثر لنري هنالك شخص يبدو عليه انه قضى من العمر الكثير ، يجلس علي حافة الطريق المطل علي البحر ، منتكس الرأس و يقبض بقوة على سيجارته المُشتعلة التي لا يُلقي لها بالاً ، هذه الملامح بالفعل قد أرهقتها الحياة، و لكن السؤال كيف إنحدرَ به الحال ليظهر عليه كل هذا الشقى ؟! 

دعنا منه وٱنظر على بُعد امتار أخرى ، هل تري ذلك الموظف الذي ينتظر حافلة عمله ، يبدو عليه النشاط و لكن اتمنى ألا تُصيبه خيبة الأمل في نهاية اليوم بسبب إرهاق العمل و تحكمات مديره بمزاجه العكر يومياً ، كم يفكر طويلاً في أنّ عمره ينتهي لحظة تلو الأخرى في ذلك الروتين الملل يومياً ، ليتقاضي في نهاية الشهر بعض المال الذي لا يُضاهي ذلك التعب و الارهاق .

و الأن لننتقل يارفيقي لهذا الشاب الوسيم و الفتاة الجميلة ، وهما يمسكان بأيدي بعضهما البعض ، ما اجمل تلك الابتسامه التي تغطي وجهيهما ، و هذه العيون اللامعة التي تحمل بعض الخجل ، نعم ذلك جمال بداية البوح يا رفيقي ، ما أجمل الكلمات التي سَيُلقيها كل منهما على الأخر بعد قليل، لننتهي منهما أيضاً و ننظر في الجبهه المقابلة لتلك العجوز الممسكة بأكياس و هي تنظر لهاذان الحبيبان في شغف و على وجهها إبتسامة بسيطة، ربما تذكرت الايام الخوالي لها ، لتزول هذه الابتسامة بعدها و هي تسأل نفسها كيف إنقضى بها العمر بهذه السرعه ؟ 

دعنا نعود سوياً بالنظر الي ذلك المُسن الجالس ، أظن أنه قد فاق من تفكيره العميق بعد أن شعر بسخونة في أصابعه أثر إحتراق سيجارته ، ليلتفت منتبهاً لمشهد صغير علي الجانب الأخر لأُسرة مكونة من ثلاثة أفراد ، يجدون متعتهم مع طفلهم الصغير الذي يلهو أمامهم لينتهي الأمر بذلك المسن بأبتسامه باهتة.

و في الاخير ٱنظر معي تحت النافذة مباشرةً ، هل تري تلك اللحظات المرحه لمجموعه من الاصدقاء و هم يداعبون طفلاً ممكساً بأدواته الدراسيه بتحفظ شديد و ترتسم على ملامحه البراءة و عنفوان الطفولة معاً. 

لقد أطلنا النظر يا رفيقي و الأن لنعد أدراجنا ، و سأجيب لك علي سؤالك الذي أعرفه جيداً! ما كل هذا و ما الذي رأيته ؟! 
ما كنت تراه هو أنا ، نعم إنها حياتي البسيطة ، أنا المُسن و الطفل و أنا رب الأسرة ، أنا الشاب و هذه حبيبتي و العجوز زوجتي، ذهبت زوجتي و طفلي و أنت الأن ستذهب يا رفيقي ، و سأظل بمفردي في ذلك الهدوء التام الذي يملئ الفراغ
.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -