أمير عزام يكتب : أقمشة متسخة
في الماضي القريب کنا نسمع حکايات أسلافنا وننظر في صناديق ممتلکاتهم القديم فلا نجد إلا أوراق حکومية وجوابات غراميه وبضع صور مع الأبناء او الأصدقاء، ونتعجب من أفعالهم کيف ظلوا طوال هذه السنوات يفعلوا کل شئ لأجل البقاء وفي النهاية لم يتبقي منهم إلا ذلک الصندوق المتهالک؟ کيف لم يستغلوا کل هذه الأعوام لصناعة المجد لهم ولأحفادهم؟ وفيما مرت هذه السنوات؟
وکعادتنا بعد کل قصة نسمعها نعود مسرعين إلي واقعنا حتي لا نقع في فخ أسلافنا، ونمارس حياتنا علي طبيعتها نعمل ونلهو ونأکل ونشرب ونفرح ونحزن وتشتد الأمور مرة وتنفرج مرة ونخطئ ونصيب مرة أخرى، وفي نهاية کل عام يمضي لا نجد حصيلة ثمينة تستحق کل هذه المعاناة، فنعود مرة أخرى نسمع حکايات أسلافنا ونتبادل الحاضر مع الماضي، ومع مرور الوقت تدريجيا نجد أنفسنا نشبه أسلافنا في کل شئ، وکل ما کان يحکي في الماضي أصبح حقيقة أمام أعيننا.
وهناک أيضا أشياء بداخلنا تتصارع مع واقعنا في کل لحظة اتيحت لها ذلک، هذا لم يکن في الحسبان يوما، وهذا لم نکن نريده قط، ولا تخيلنا لحظة ان نتقبل ذلک، ونظل نردد هذه العبارات کل يوم لا نکل ولا نمل وکلما حاولنا صعود الشجرة..تنمو مجددا.
ونظل هکذا طويلا نصارع لأجل البقاء فقط حتي نعود بالذکريات لنکتشف أن من کانوا في الماضي لسنا بهم، بل هم اناس اخرون ما ذالوا عالقون في الماضي بين الحارات وارصفة الطرقات وشواطئ العشاق ودفئ الحکايات، ومن في الحاضر الان هم صناعة الزمن ومجرياته والشئ الوحيد الثابت علي اصله فينا هي أسمائنا وأنسابنا التي ورثناها.
في الواقع نحن نشبه الأقمشة المتسخة التي في مضمونها أنها أقمشة لکنها متسخة لا تصلح للإستخدام. ويبقي اسمها ومعناها عبئ عليها فلا هي تخلصت من أوساخها ولا هي ظلت بطبيعتها، وکلما حاولت إعادة تنظيفها إتسخت مرة اخري وکلما حاولت فعل ذلک أکثر کلما قلت جودتها فتصبح بعد وقت قصير من الماضي ويجب عليک إحضار اخري.
وهذا الحال ينطبق علينا أيضا فکلما حاولنا جاهدين تغيير واقعنا کلما استنفذنا عمرنا أسرع حتي تأتي لحظة السکينة ويصبح کل ما تبقي منا إرث لما خلفنا، فالأمس يکتب عنا ولا نکتبه والغد يکتب بنا ولا نرصده.
للتعليق