"الفرشاة" قصة قصيرة للكاتب : عمر السيسي
تتوالي صرخات الأم ويغزر عرق الطبيب في عملية ولادة لتوأمين من الذكور ‘ وما ان تراهما امهما وتحتضنهما حتي تنسي كل تلك الآلام وتحمد ربها علي ما أنعم عليها ‘ ويستريح الطبيب بعد مشاركته في إدخال روحين الي الحياة ‘ يكبر الطفلان ويزيد علي تطابق ملامحهما الجسدية تشابهم في كثير من الصفات والتصرفات وردود الأفعال فما إن وصلا سن الرابعة والخامسة حتي أحبا الفرشاة أكثر من القلم! وهو وضع غير معتاد ! واخذا يرسمان ويلونان ويظن والدهما انه مجرد لهو سينتهي مع بدأ دراستهم لكن الأمر كان شغفا ف تعلقا ثم صار حلما لكليهما! ..
تميزا بتفوقهما الدراسي منذ صغرهما حتي اصبح معروف عنهم ذلك وتخطوا المرحلة الإعدادية الي الثانوية العامة مفترق الطرق ‘ وشرعا يصارحوا ابويهم بأحلامهم وأمانيهم أنهما يريدان ان يكونا فنانين رسامين وهو غير مقبول بحكم عاداتنا وتقاليدنا وأن المستقبل من هذا ما هو إلا ضربة حظ كلعب الكرة! فكم من محمد صلاح مدفون في أزقة وحواري بلداتنا العزيزة ! ‘ كان رد الوالدين صادما أن ينسيا ما قد تحدثوا بشأنه وانهم سيصيروا اطباء كما تمنوا لهم منذ الصغر لا أعلم إن كان هذا قرار بحكم القطيع او شغفا من الأبوين ليقدما اطباء صالحين للمجتمع وفي كلتا الحالتين قد عارضوا حلمهم!! ..
كان من الممكن لهما ان يلتحقا الشعبة الادبية ثم ينضما لكلية الفنون الجميلة او التربية الفنية او غيرها ولا يكلفا ذاتهما اعباء الشعبة العلمية لكن أحدهم قرر ان يثبت جملة وهي " أثبت انك تقدر حتي وإن لم ترغب" ‘ والاخر التحق ايضا بالشعبة العلمية إرضاء لوالديه وانه في النهاية سيلتحق بكلية الفنون الجميلة!! ‘ وقد مضت أيام الثانوية الشاقه والأهل في انتظار النتيجة صاحبنا صاحب الإرادة قد حصل علي 99% ف الشعبة العلمية ( علوم) لكن المفاجأة انه لم يلتحق بأي كلية طبية ف كانت ارادته اقوي من قواعد القطيع وقد انضم لكلية الفنون الجميلة كما اراد طيلة عمره هو فقط اثبت لهم انه يستطيع رغم انه لا يريد وتخرج صديقنا وصار فنانا عالميا لوحاته تملأ المعارض والمتاحف اما صديقنا الآخر فلم يطق المواد العلمية التي لم يحبها وتمني لو عاد به الزمن لأختار الشعبة الأدبية لم ينجح ف العام الأول وف العام الثاني نجح ولم يلتحق بالكلية التي أرادها ودخل مجالا لا شغف له به فلم يبدع ولم يخلق..
ف النهاية قد علمنا انهما لم يكونا متطابقين فعليا فقد انجبهما رحم واحد ولكن بإرادتين مختلفتين ‘ .. في النهاية ومع حفظ دور المؤثرات او ما نسميها الظروف الإنسان هو المتحكم الاول والاخير بحياته هو من يرسم قدره مع الرضي بقضاء الله واختياره.. "
للتعليق