عمرو أشرف يكتب : ديكتاتورية عقلي
يوم شاق ينتهي مع الثانية عشر بعد منتصف الليل، و أخيراً سأنال قسطاً من الراحة التي أعتبرها بمثابة هدية أو أجر مقابل تلك الملحمة اليومية المليئة بأحداثٍ مرهقة لا أكثر.
وأنا الآن أمام غرفة جليسُها الوحيد هو الصمت، ما أجمل تلك اللحظات البسيطة التي تفصلني عن ملاقاةِ سريري العزيز !، لأُلقي بنفسي عليه و بداخلي سعادةٌ غامرة، متشوقاً لتلك الراحة التي ستدُب في جسدي بعد قليل.
ولكن لم أكن أعلم أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، فمع إغماض جفوني بدأ عقلي في التلاعب بي كدمية خشبية رافضاً نومي تماماً، بدا الأمر لي كشخصٍ مزعجٍ يريد إفساد تلك اللحظة التي انتظرتها طويلاً، و الغريب أن الأمر انتهى بي للإستسلام و السكون لتصبح هذه الأجواء بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.
تتبدل بي الأحداث لأجد نفسي جالساً على طاولةٍ في مكانٍ واسعٍ شبه مظلم، و شخصٌ غريب لم أحدد ملامحهُ بعد، يجلس أمامي على الطرف المقابل من الطاوله، ضوضاء تملأُ المكان من حولي و أحداث غريبة أراها أمامي في صورةٌ مشوشه، أنا لست غارقاً في حلمٍ ولكن أعلم أن عقلي قد سُنحت له الفرصة في التلاعب بي.
أخرج هذا الغريب ثلاث بطاقات بأحجام متساوية، ثم قام بترتيبها في انتظام شديد أمامي، ليبدأ العرض.
لمحت بعيني أول بطاقة و كانت صفراء اللون، أظن انها جائت من زمان بعيد، يتزين ع ظهرها جملة كانت تحمل عبارة " لا تنظر خلفك كي لا تسقط " ، بدأ الشخص الغريب بكشفها لأرى مشهداً لطفل صغير يتعرض للضرب من قِبل بعض الأطفال الآخرين لتُختتم تلك المأساه بعد لحظات ببكاءٍ شديد، حينها أدركت أن هذا الطفل هو أنا و تذكرت جيداً هذا الموقف الذي تعرضت له في سن السادسة من عمري، لينتهي المشهد و تعود البطاقه كما كانت وأنا اشعر بحزن شديد و أموت غيظاً مما حدث.
و الآن جاء دور البطاقة الثانيه و التي تحمل لوناً ابيض و تملئها الحيويه عن سابقتها، لأرى عليها عبارة " الحب لا يقتنع بالجبناء " ، و ها هي الآن تُقلب لتكشف مشهداً جديداً كان كالتالي؛ مكان واسع أظن أنه مقهىً، يشُع من أرجائه أنوارٌ خفيفةٌ هادئة، و أرى نفسي علي طاولة و أمامي كوب من القهوه لا يظهر له دخاناً، أظن أنها أصبحت باردة، و بجانب الكوب كأس زجاجية تتوسطه وردة حمراء اللون يُصيبها بعض الذبول.
و في الجبهة المقابلة تجلس فتاة ذات شعرٍ بنيٍ لامعٍ بفستانٍ قصير وردي اللون، أمامها كأس زجاجية مماثلة للتي أمامي و لكن فارغه، أظن أن هذه الفتاه تنتظر شخصاً ما ولم يأت بعد، التفتت لي بعيون يَملئها التمني و التوسل و تختلس ملامحها ابستامة كاد أن ينشق قلبي من جمالها، ولكن لحظة؛ أنا أعرف هذه الملامح جيداً، نعم إنها مريم صديقتي التي لا زلتُ اُحبها ولكن لا أستيطع البوح أبداً، كي لا أخسرها أو تقابلني بكلمات لن تتقبلها كرامتي، لتمر لحظات قليله لتترك مريم المكان و تغادر في صمت.
تغير المشهد مره أخرى أمامي لأعود على الطاولة أمام الغريب من جديد، و هنا قد كُسر حاجز الصمت بكلمات من هذا الأخير بجمله وحيده كانت " سأدعُك أنت لتكشف البطاقة الأخيره " ، و في هذه المره كانت البطاقه تحمل لوناً فاتحاً بملمس غريب لم اُدركهُ من قبل و كانت الجملة على ظهرها تقول " لا تبدأ حرباً وأنت غير قادرٍ على الصمود أمام نيرانها ، ولا تشعل سيجارتك، إن لم تكن ستستمتع بها ".
ليبدأ المشهد الأخير برجلٍ في العقد الرابع من عمرهِ، يتوسط الكثير من المباني المتهالكة و أدخنة حريق شديد تظهر من حوله، يقف و كأن أصابهُ العجز، تحمل ملامحة الكثير من البؤس المخلوط بالخوف و الفزع، لينظر ملتفتاً لعبارات تُكتب من تلقاء نفسها على إحدى حوائط تلك المباني المتهالكه و كانت تلك العبارات هي " كن حذراً كي لا يكون هذا مستقبلك، اغتم فرصتك و استمتع بها، لن يغير هذا الخراب سواك ".
يمتلئ المكان بالظلام مرةً أخرى ليتبدل المشهد بعد لحظات، لأجد نفسي بمفري على الطاوله و هدوء تام يدُب في أرجاء المكان، ليعود الظلام من جديد لأرى نفسي أُطيل النظر لسقف غرفتي، و رأسي تتخلل الوساده، و صوت يأتي من بعيد اُدركه جيداً، يا إلهي إنه صوت مُنبهي المزعج يخبرني بأنها تدق السادسة صباحاً، ضاعت ساعات راحتي والأن سأقوم بالشروع في يوم جديد شاق و اعلم أنه سينتهي بتلك المأساه مرة أخرى.
للتعليق