أحدث المقالات

أمير عزام يكتب : مقابر الأحياء

" ياعم هات حساب السمكره الاول وبعدين نبقى نشوف حوار السجارتين "
هذه الجملة التي إخترقت طبقة الأوزون,عفواً أقصد طبقة أذني أثناء مروري بمنطقة مقابر السيدة عائشة ذاهباً إلي ميدان الرماية قاصداً منزلي القاطن في قرية تابعة لمحافظة الفيوم بعد أيام عملٍ طويلة وشاقةٍ.

تعتبر هذه الكلمات من الشواذ للمجتمعات الخارجية أو المتحضرة، لكن في مصر تعتبر طبيعية جداً ويحتاج الكثير تعلمها لمواكبة الحياة في مصر، سواء إتفقنا او إختلفنا علي صحة هذه الكلمات في مجتمعات الأحياء إلا أنها لا تصح ابداً في مجتمعات الأموات هذه. 

مروراً من وسط المقابر التي تمتاز بشوارع وتصاميم ومخارج ومداخل أفضل من قريتي التي أعيش فيها، لاحظت أن الكلمات السيئة التي سمعتها من قبل أهون بكثير مما رأيت تالياً.
أخذتني الصدمة من إلتحام منازل الأحياء وتداخلها مع جدران المقابر وصوت التلفاز يغرد بإعلان لإحدي منتجات الشعر وإكتشفت بعدها أن الإعلان يحتوي علي فتيات راقصات إغراء لدرجة قد تحيي مشاعر الأموات ثانيةً.

أحزنني الأمر كثيراً عندما تحاورت مع أحد الجالسين في السيارة بجواري وقال لي أن هناك شباب يشربون المخدرات ويتاجرون فيها ويصنعوها أيضاً هنا، وأخبرني أنه رأي فتيات يمارسن الرزيلة هنا ايضاً مقابل المال وأن معظم المومسات يخرجن من هذه الأماكن واضحكني كثيراً حين قال :

 "الأموات هنا عايشين في أوروبا خمرا ونسوان ومخدرات، دول هيدخلوا النار عشان اتدفنوا هنا بس"
 حقاً صدمتني كلمات هذا الشاب كثيراً ما بين هم يبكي وأخر يضحك، وبدأت خلايا عقلي تعمل بسرعة جداً وتفكر وتسألني كيف لهؤلاء الناس أن يقطنوا هذه الأماكن وكيف يجاورا موات ويرتكبوا المعاصي والمقابر دار عِظة وعِبرة.
كيف لرجل أن يختلي بإمرأته وبلكونته تطل علي مقبرة شاب لم يحظى بزواج مثله، وكيف لعاصي أن يرتكب ذنب وهو يرا مقبرة أخيه الذي توفى وهو يسب الدين او يشرب الخمر، وكيف لهم يُدفَنون بجوار أرحام هجروها في الدنيا طوال حياتهم .

الناس هنا يعملون ويصنعون ويتابعون حياتهم بصورة طبيعية ويتشاجرون ويتقاتلون علي الأموال وحساب السمكرة والدوكو وصيانة السيارات وتكاليف تجديد باب المنزل وحياكة الملابس وكشكول الدين لدي البقال يدور به يومياً علي أصحاب الديون.


الناس هنا يزعجون الأموات حقاً بضوضاء الأحياء القذرة والمهلكة للأبدان والأنفس، الناس هنا يرتكبون المعاصي أمام أطفال لم يذنبوا في الدنيا إلا أنهم دُفنوا هنا، الناس هنا مغيبون تماماً عن الحقيقة  والواقع والمستقبل أيضاً فلا هم أخذوا العظة ممن سبقوهم ولا هم أحسنوا الحياة ومتعتها ولا هم قدموا شئ لنُزُلِهم الأخير.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -