أحدث المقالات

حسام ممدوح يكتب: الماشطه والعجوز

حسام ممدوح يكتب: الماشطه والعجوز

حسام ممدوح يكتب: الماشطه والعجوز

"رجل عجوز..وكرسي.. ومنضده.. وماشطةٌ عمياء" 

في كلِ فجرٍ أستيقظُ على نهايةِ نفس الحلمِ:
أمُدُ يدي لأقتلع نجمةً زرقاء في ليلةٍ صافيةٍ تزدادُ فيها السماءُ زُرقةً؛ فيستعصي عليّ التقاطُ النجمه..!!

أضعُ يدايَ متشابكتين خلف ظهري وأهيمُ محدقاً بصري موضع وطأ قدماي، أركلُ الحصىٰ تلو الحصىٰ،وأعيش بُرهةً من اليأس لعودتي في كل فجرٍ من دون تلك النجمة الزرقاء!!

أخرجتُ من جيبي بعض الدريهمات التي كنت آخذها خلسةً من وراءِ أمي.. ورميتها في السماء، ظناً مني ونقلاً عنها أنها قد تفرج الكرب وتصنع المستحيل.
ألقيتها ودعوت :يا إلهي ويا مليكي، ساعدني..لكن هذه المحاوله أيضاً قد باءت بالفشل،، على ما يبدو أن الرب قد رفض دعائي الممزوج بالدريهمات المسروقه!!!! 
تنهمر دموعي فتصنع لي بحراً أستطيعُ أن أُحصي قطراته من شدة الملل..
وإذ فجأة أرى من بعيد رجل عجوز جالساً على كرسي، تغطي ضفائرُ شعرِه ملامحَ وجهِه العبوس..!!
عن يمينه صحراء وعن شماله صحراء ومن خلفه صحراء ومن أمامه أيضاً صحراء وشعاع شمسٍ يلمع فوق ضفائر شعره فيصنع شيئًا من النغم!!

تحول المللُ إلى شغفٍ،وقد نسيت نجمتي الزرقاء، رفعت بصري إلى الطابق العلوي من الصحراء.. تسكن إمرأة عجوز، أفعالها تقول أنها في الغالب لا تُبصر.
تتحسس الأشياء من حولها، تتفقد وريقاتٍ أظن _من فرط إهتمامها_ أنها مليئةُ بأسرار عشقٍ قد كُتبت بماء الياسمين

سقطتْ خلفها كأسٌ من الزجاج فأحدثتْ ضجيجاً، فاستدارت نحوي، وكانت المفاجأة:عندما نظرت إليّ؛ أدركتُ صعوبة عودتي بالنجمة الزرقاء،، هيهات هيهات، لقد كانت عين تلك العجوز العمياء، حتى أنه من صفائها قد خال لي أنها نجمة زرقاء، أنى لهذه النجمه أن تُمسي عمياء؟!!

تذهبُ العمياءُ تلك كل فجرٍ إلى ذاك العجوز،وعلى ما يبدو أن آخر مرةٍ تحدثا فيها، عندما مرَّ المجنونُ بديار ليلىٰ أو عندما فُتِنَ الجميلُ بعشقِ بثينة،
على أي حال تُسرعُ العمياءُ وكأنها مبصرةُ، ولا عجب.. فالقلب يُبصرُ ما لا تراهُ العيون!!!
تحمل العجوز مشطاً ذهبياً ومرآةً تعكس صورةً تجمعها _هي في صغرها_ رفقة شابٍ لطيفٍ وهي تحدقُ في ملامحِه أثناء حديثه معها، لكن الصوره تشرح شيئا غريباً:
"أثناء تسامُرِهِمَا، وتبادُلِهِمَا العشق، انقطع حديثُ الشاب، فأضربتْ عيونها الزرقاءُ عن الرؤيه، وساد الظلام!!!"

لا تزال القصص تحكي عن رجلٍ في سن المشيب لا يستطيع الكلام، وماشطةٍ عمياء عيونها زرقاء، يسكنانِ الصحراء، ولا يبرحانِ حتى تُمَشِّط له ضفائر شعره كل مساء!!!
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -