أحدث المقالات

شمس جمال تكتب : ديسمبر الحزين

 شمس جمال تكتب : ديسمبر الحزين 

شمس جمال تكتب : ديسمبر الحزين

جلست كعادتها في منتصف الليل لتراجع ذكرايات الماضي؛ بعد أن أعدت كوبَ القهوة المُر، الذي كادت رائحته أن تحيي قلبها و روحها المنطفئة مرة أخرى، عجوز العشرين كما أطلقت علي نفسها،عشرينية ذات تجاعيد في القلب و الوجه، عشرينية ممزقة الروح كما ترى نفسها.


نهضت و وقفت أمام نافذة غرفتها ذات المرآة العاكسة؛ التي كثيراً ما تحب أن تقف أمامها لترى وجهها الحزين الذي يكاد يكون وجه لإمرأة خمسينية عجوز فعل بها الزمن فعلته.

وقفت لتشاهد هطول الأمطار من الجانب الآخر من النافذة، و مع هطول أمطار ديسمبر، انهمرت دموع عينيها ولكن اندفاع الدموع كان أقوي من اندفاع قطرات المطر.

انهارت باكيةً غير قادرة على التحكم في بكائها و غير قادرة أيضاً على كتم صوت صرخاتها المصاحبة للبكاء مع بعض الكلمات غير المفهومة.


عند رؤيتها لأمطار ديسمبر الحزين تذكرت كم الذكريات التي تحدث فيه كل عام ولكن هذا العام تجّمع حُزن كل هذه الأحداث لسلب قلبها نبضاته.

استعادت قواها ونظرت إلى المرآة مرة ثانية مع امتلاء عينيها بالدموع الكثيرة.

لديها ثلاث ذكريات مؤلمة في كل ديسمبر من ثلاث سنوات متتالية.


تجسدت في المرآة أمهامها أحداث ديسمبر الأول مشهد خاينة أعز صديقتها لها؛ بعد صداقة دامت لمدة ثلاث سنوات؛ صديقة تعلقت بها روحها و كانت لها أغلى من في حياتها.


رأت في المرآة علاقة الصداقة التي نشأت بين صديقتها و الإنسان الذي أحبه قلبها؛ و رأت اتخاذها كمحور للحديث بينهما دون أي داعي. ورأت أن حبيبها أصبح محط أسرار صديقاتها و الشخص المفضل لديها.

رأت هذا كله وتذكرت رسالة كاذبة بين الطرفين يخدعاها أن كل شيء قد انتهى

فقال الحبيب للصديقة "ممكن أن ننهي كل شىء؟" و أجابت هي ب "ممكن" ولكن ما حدث كان عكس ما قيل، فكانت رسالة ذائفة من الطرفين.

وبعد هذا كله سامحت كلاهما لاعتقاد خاطئ منها أن الحياة بعدهما لن تستمر.

و بعد هذا القرار قررت الصديقة الرحيل.


لمجرد استحضار عقلها لهذا المشهد أصبحت عيناها غير قادرة على التحكم في الدموع التي تنهمر دون توقف مع زيادة ضربات القلب و التحدث بكلمات تجمع بين الضعف و خبيبة الأمل.


و بعد أن استعادت قواها مرة أخرى تجسد أمامها مشهد ديسمبر الثاني. مشهد كانت فيه البطلة التي قررت انهاء كل ما هو مهلك لروحها. مشهد استطاعت فيه أن تقول "لا".

استطاعت أن تقول "لا" لعلاقة مرهقة استنفتذت فيها كل شيء مع شخص يشعر بالضعف وقلة الثقة بالنفس أراد أن يفرض سيطرته عليها ليشعر بمعنى كلمة رجل. 


رأت في المرآة المواقف التي عاشاها معاً من عشق و ألم.

رأت في المرآة أنها فعلت المستحيل من أجل إنسان لم يفعل حتى الممكن من أجلها.

وأنه فرط في كل شيء بينهما بكل سهولة و لم يستطع أن يحافظ على علاقة بذلت هي كل جهدها من أجل أن تجعلها تستمر.

رأت قصة حبها تنتهي أمام عينيها و رأت قلبها الذي قرر أن يغلق أبوابه ولن يفتحها ثانية لأنه تحمل من خيبات الأمل ما يجعلة لا يستطيع أن يعيش مشاعر الحب مرة ثانية.


و بعد أن لملمت شتان جراحها و ووقفت لتشاهد هطول المطر المصاحب لدموع عينيها سرعان ما تجسد أمامها المشهد الثالث.

كان ديسمبر الثالث أكثرهم قسوة؛ فكان الخذلان من أقرب الناس إليها فخذلان الأهل موجع ولا يُنسى.


في ديسمبر من هذا العام كانت في محاولة التعافي مما حدث في العامين الماضيين.

فكانتا صدمتين من الصعب التعافي منهما بسرعة.

في هذا العام قررت أن تمتلك هدفا تسعى لحقيقه و قررت أن تبذل قصارى جهدها لتصل له، ولم تجد سوا أهلها ليكونوا خير المعين لها.

ولكن أهلها مازالوا في ذكريات ماضيها الأليم و أن من تعرضت لهذا كله ليس من الممكن أن تكون صاحبة حلم و ليس لها حق أن تحلم من الأساس؛ وإذا كان لديها حلم فهو مجرد وهم و أنها لن تصل إلى أي شىء.


من المعروف أن صاحب الحلم عندما يرى من يستخف به يكون أكثر حرصاً على الوصول و لكن هي لم تكن كذلك لأنها كانت تعلم كل العلم أن قدرتها تمكنها من الوصول و لكنها كانت في أمس الحاجة إلى من يؤمن بها، فأي شخص مثلها خرج من صدمتين على مدار عامين متتالين كان في حاجه لشخص يزيل طبقة الغبار التي تراكمت على قلبة ويخبره بأن مازال هناك أمل و أن الحياة لم تقف بعد. ولكنها لم تجد شيئا من هذا، لذا خسرت حلمها بكل هدوء.


خسارة الحلم و الشغف ليس بالشيء السهل الذي يمكن تجاوزه بسهولة؛ على الأقل بالنسبة لها. لأنها كانت تظن أن حياتها سوف تتغير للأحسن في هذا العام؛ ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.


لذا قررت أن ترحل عن الواقع في صمت أغلقت هاتفها و أغلقت كل وسائل التواصل الاجتماعي وقررت البقاء في غرفتها هادئة ترتشف القهوة و تزرف دموعها مع كل ديسمبر يمر عليها.

وكان هذا أول ديسمبر يمر دون أحداث جديدة ولكنه كان حزين أيضا لأنه كان محط ذكريات ثلاث اعوام مضت.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -