أحدث المقالات

أمير عزام يكتب: أدركت الآن أنها لا تستحق يا أبي

أمير عزام يكتب: أدركت الآن أنها لا تستحق يا أبي 

أمير عزام يكتب: أدركت الآن أنها لا تستحق يا أبي

كل ما لك في ذاكرتي يصبح حقيقة مرة تلو الأخرى وهناك بعض الحقائق أنكرت وجودها سابقاّ لكن الآن وقد أيقنت أنك على الصواب حتى وإن حالفني الحق...


كل الأوقات التي مرت وتلك اللحظات التي تركت في نفسي أثارً وندوب،تذكرني بكل الحروف التي ترسخت في عقلي منك، هي فعلاً لا تستحق؛ هي لا تستحق كل هذا العناء الذي نكتسبه يوماً بعد يوم،ومجرد أن تذهب الأيام وتأتي غيرها سنجد أننا كنا في متاهة صنعناها بأنفسنا لنضل الطريق،وأكثر ما يثير غضبي أننا نعشق تلك المتاهة ونرغب فيها حقاً ونسعى كي نصنعها.

أدركت أنها لا تستحق حين عاودت استرجاع ذكرياتي وكل ما مضى من عمري،فوجدتني بلا سببٍ تركت لنفسي عاهات شوهت ملامحي كلها ولم يتبقى من ملامحي التي عهدتها في نفسي سوا بضعة اجزاء صغيرة في طريقها للتشوه أيضاً، أشفق على نفسي يا أبي كثيراً فلم أستمع لك جيداً حينها، وارغب في الإعتذار لكن قد فات الأوان ولا أدري لمن يكون الإعتذار هل لك أم لنفسي التي هلكت.


لا تستحق لأنها لم تمنحني شيئاً على الإطلاق، فلقد عانيت كثيراً ولم أعد ارغب في الإستمرار هكذا، واردت أن أخبرك حقيقة الأمر حتى تستكين جوارحي قليلاً، الآن وقد مر من عمري ثلاثة عقود إلا عام وبضعة أشهر قد حصدت الكثير والكثير لكني فقدت أكثر مما حصدت، جنيت على نفسي بالهموم والأفكار، أرهقت روحي في مشاحنات لم تكن لها معنى ودخلت حروباً لم أكن طرفاً فيها ولم أتقن فنون الحرب وقتها،فقد انتصرت في بعضها وخسرت أغلبها كوني لم أكن مؤهلاً لها،والاسوء من كل ذلك أني تحملت هذه الخسائر وكأني من فعل. 


بعد مرور كل هذا العمر يا أبي أشعر بالتعب وقد واريت التراب على أخي الأكبر وأخذت عزائك في سنٍ صغير وأصبحت عائلاً في وقت أنا في أمس الحاجة لمن يعولني، فارق أحبتي واحداً تلو الآخر في وقت قصير جداً، زرت المقابر كصاحب العزاء أكثر من زيارتي لها للعظة والتدبر،وقفت على أكفنة أحبتي أكثر مما قد يبدوا لك، وأريد أن أخبرك أني قد حملت أكفنة بعضهم على يدي، هل تشعر بذلك الحزن الذي بداخلي يا أبي؟ هل علمت الآن كيف صار ولدك؟ لقد شاب ولدك قبل الشيب. 


في عمري الذي ضاع؛قد خاصمت أخلائي وعاتبت أحبتي وهجرت البعض والبعض هجرني، تبدلت عاداتي وتغيرت نيتي وتقلبت أحوالي من حالٍ إلى حال، لا أدري ما الصواب فيها وما الخطأ،مرت تجارب حياتي أمام عيني فوجدت أنها لم تستحق كل هذا العناء، اخذتنا الحياة وقطعتنا عن ارحامنا وظلمنا بعضنا البعض،ونال منّا ما نال من قابيل هابيل وطالنا ما طال إخوة يوسف واخشى أن نلقى ما لقى ولد نوح عليه السلام، ونغرق في ظلام الدنيا.


هي فقط تستحق عندما نكون جزءاً منها لا أن تكون هي جزءاً منّا أو الكل، تستحق عندما لا تشوهنا، تستحق عندما تكون بوابة لما هو قادم في جنان الخلد لا أن تكون هي جنتنا الخادعة، تستحق عندما لا يُقهر فيها الرجال ولا تُظلم فيها النساء ولا يُسحق فيها الشيب ولا يُكسر فيها الشباب، تستحق عندما تكون رفيقة درب لا أن تكون إله يعبد دون الإله الحقيقي الذي حذرنا منها وقال فيها العليم وهو يعلم كل شيء أنها لا تسوى جناح بعوضةً، فما بال من يجعل منها دار الخلود وهي الفانية وما دون الله فانٍ. 


لا تستحق كونها فانية،كونها هَالكة،كونها مُهلكة، كونها دانية ومن الصفة جاء إسمها، الدنيا اسوء مرحلة في مراحل الإنسان. 




تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -