زينب محمد تكتب: فلسطين التي تعرفني
كنت قد اعتدت على الجلوس مع جدتي جدة أبي في كل صباح من يوم الجمعة مع كوبٍ من الشاى الذي يأتي بعد فطورٍ دسم في العادي ، وقبل صلاة الجمعة بساعات في شمس حديقة منزل جدي _التي هي أمام البيت_ كنت أنا وجدة ابي ( جدتي نضال) نتسامر ، فعلى الرغم بين فرق السن الكبير الذي بيني و بين جدتي نضال ، الا أنني كنت أجد دائما طريق يمكنني من الاتصال بروح جدتي المتقدة بالأمل و الحُلم الذي لا يموت ، و بالحب الذي لا ينضب من حكاياتيها التي ترويها لي باستمرار ، دون عناء أو تكلف ، أجدها باستمرار تسرد لي أحداثا وأحداث ، ويكأنها كانت تشاهدها أمس وتحكيها لي اليوم.
كانت جدتي جميلة بالحد الذي لا يمكنني من وصفها ، كانت ملامح جدتي _علي رغم الشيب الذي بها و يكسوها_ كانت حادة ، عينان زرقاوان وحاجبان عريضان طويلان ووجه حاد غير انسيابي مستدير ، و يكأن الطبيعة التي عاشت فيها جدتي هي التي نحتت تلك الملامح ، فجعلت رزقة عيون جدتي كزرقة بحرها يافا ، وجعلت حواجب جدتي الطويلة العريضة كطول وعرض شواطئ بحرها الممتد من عكا ثم حيفا الي يافا ، أما حدة وجه جدتي الواسع فهو بالتأكيد يحاكي ارض تلك الطبيعة التي هي ليست سهلية دائما ولكن صخرية جبلية أحيانا وقليلا ما تكون رملية.
كانت جدتي نضال تحكي لي ماسي قد عاشتها هي وجدي قبل الانتقال الي رغد العيش الآمن في مصر ، فقد كان حنين العودة والإشتياق الي الوطن هما وقوداها دائما لي في استكمال سرد قصصها الجميلة إلي و انا كالعادة كلي اذان صاغية و عيون لامعة و قلب متقد بالحماس ، كنت اتشرب نبرات جدتي نضال المليئة بالإرادة الحرة و الرغبة الملحة في العودة إلي الوطن بعد غياب طال أمده ، جدتي لا تنسى ابدا و لن تنسى ، فسبحان الذي أبدع و صور وخلق تلك الذاكرة الذهبية.
كانت جدتي تحكي لي أيامها السعيدة في بيتها في بلدتها طولكرم ( والتي تعني تل العنب) ، هذة المدينة المشهورة بالكرم و بالأثار القديمة جدا التي هي من العصر النحاسي ،
كانت تقول لي جدتي نضال: كان لنا بيت جميل مثل هذا البيت و لكن أجمل وادفء ، و حديقة أصغر من الحديقة هاي ولكن كانت مباركة ، كانت بها أشجار الكرم أشكال والوان ، كل الجيران كانو يجو لعنا ليعبو ما طاب لهم من ثمار و كان الخير يذيد و يكثر ببركة هادول الجيران الطيبين ، كانت حديقتنا هذة تشبع حينا كله من ثمارها القليلة المباركة ، كانت ملاذ لكل عابر سبيل و مسكين و فقير .
أكملت جدتي نضال حديثها قائلة: والذي ذاد حديقتنا الصغيرة بركة وطيب وحسن وبهاء أن بنتي جدتك مريم كانت تعتني بتلك الشجيرات الصغيرة و هي دائما لا ينقطع لسانها من ذكر الله فترعرعت الأشجار مباركة مليئة بالثمار ، كانت الحديقة أيضا ملاذا لكل الطيور بأنواعها واشكالها المختلفة ، كنا يابنتي رغودة نحي بحب وسلام ،
شوفتي اخدنا الكلام و الوقت معكي حبيبتي رغد مثل البرق في سرعته ، هيا قومي الي ابيك فساعديه لتحضير نفسه لصلاة الجمعة احضري له الثياب النظيف و شوفيه لو عاوز حاجه قبل ما ينزل.
أكملت جدتي دندنتها بمفردها و هي تمشط شعرها في شمس حديقتنا الدافئة
سأحمل روحي على راحتي ** والقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق ** وإما ممات يغيظ العدى
و قبل أن انصرف اكدت على الموعد المعتاد معها في الجمعة القادمة إن شاء الله وقبلت يدها واخذت بركتها ودعائها الجميل لي و ذهبت وانا منشرحة الصدر يملؤني معاني كثيرة و أحلام ٌ و قيم..
فسلامٌ حتي اللقاء.
للتعليق