أحدث المقالات

مصطفى زيدان يكتب : جزء من تجربتي الشخصية من نصف إلحاد لإيمان يسعى للاكتمال "1"

مصطفى زيدان يكتب : جزء من تجربتي الشخصية من نصف إلحاد لإيمان يسعى للاكتمال

ربما في التجارب الشخصية البسيطة في مقتبل العمر ما يمكن أن يكشف لك عن معاني تستطيع بها الإجابة عن أسئلة كونية شمولية تشغلك ومَن حولك، أو بمعنى أدق تكتفي من تلك التجارب بما يُلبي احتياجك الشخصي من الجواب، وما يُسكّن ألم الفضول تجاه المجهول.

مَثلي كغيري من البشر الذي نشأ ووجد نَفسه على دين ما، حتى وإن كانوا يدينون باللادين، لم يختره لنفسه، ولم يفكر فيه أو في غيره وأيهما صحيح، بل وجد نَفسه تابعًا لِما كان عليه آبائه وفقط، سواء أ كان ذلك صحيحًا أم لا.

أخذتني دوامة التساؤلات مع الوقت، أصبحت أنظر لكل شيء حولي وأضع عليه علامة استفهام، بدءًا من عادات المجتمع وتعاليم الدين وانتهاءً كالعادة بهل أصلًا هذه الأديان حقيقةً وهناك إله، أم مجرد كِذبة قديمة وانجرف الناس حولها وصدقها الجميع وتوارثوها؟!

عِشتُ في التساؤلات التي بعضها بهدف الحصول على حقيقة الأمر، والبعض الأخر كأنه من الشعور بالغضب والسُخط على تعاليم الدين وقيوده، الشعور برفض كل مَن حولي والنظر لهم بعين الخطيئة، أبي هذا مخطىء وموهوم ومضحوك عليه بما يسمى الدين، إمام المسجد الذي يخطب تلك الكلمات هو شخص أخطل يردد أفكارًا  من آلاف السنين دون فائدة، ذلك المجتمع هو مجتمع فاشل متأخر لأنه بطريقة ما مشغول بتفاهات اسمها تعاليم الدين، وقيود تكبح حرية الإنسان من الإبداع والتفكير الحر دون أن يُزمجرَ أحدٌ في وجهي بكلمةِ حرامٍ وحلال.

توجّهت للفزياء والفلسفة، وجدت فيها ما يشبع التعقيدات التي تدور في عقلي، قرأت في كثير من نظرياتها عن الكون والانفجار العظيم والجاذبية والذرة وميكانيكا الكم، زاد انبهاري بعقل الإنسان، وزاد تمسكي بفكرة أن ما يمنع مجتمعنا العربي الإسلامي عن تلك الأفكار وهذا التقدم هو التمسك الأعمى بالدين وتعاليمه وكيفية الوضوء الصحيحة!

بعض الإطلاع على نظرية التطور وكيفية بدأ الحياة وبداية البشرية، تناسيت كل ما أعرفه عن الدين وأخذتُ أنظر لكل ما أقرأ بانبهار عظيم لعلمِ وعقلية ذلك العالِم العظيم دارون، نعم.. هكذا قد اكتمل أركان الأمر بداخلي بشكل كافٍ ليكون الإيمان بحاجتنا لوجود إله مُشوشًا تماما.

ازددّت في الانغماس في تلك الأفكار، وازداد بداخلي الرفض والسخط على كل مَن حولي مِن تَمسُكِهم الأعمى بدينٍ لم يسألوا عنه سؤالًا واحدًا ليتبيّنوا هل همّْ على حق أم يتبعون أبائهم عميانًا ؟!

لكن الحقيقة كلما زاد الأمر في التعمّق بداخلي، زاد معه شعورٌ عميق بالخوف، شعور بالانفصال والتخلي عن جزء كبير من الشعور بالأمان المستقر داخلي عبر السنين، كلما زاد شعوري بالشك في وجود إله، زادت حاجتي للبكاء، شعرت في بعض الأحيان كأن هناك من يُدير عمليات التفكير في عقلي رُغمًا عني، يفكر فيما ترفضه روحي بالقوة، ويسعى خلف سراب واهم دون إرادتي، والمؤلم في كل ذلك حقًا أني كنت وحيدًا.

لم أجد من أبوح له بمكنوناتي، وأطرح عليه تساؤلاتي، كنت أذهب للصلاة كي لا يشك أحدٌ فيما أفكر، وأنصت للإمام في صلاة الجمعة لعله يلبي أي احتياج داخلي.. لكن دون جدوى؛ فبينما أنا خارج الدائرة تماما، وأبحث عن مقومات الألوهيه، وهو مازال يتحدث عن نواقض الوضوء!

ظللت في تلك الدائرة من العذاب النفسي المستمر بالصراع، دون أن أتجرأ وأطلب المساعدة، لأن المجتمع الذي عِشت فيه لا يقبل مِثل هذه الأسئلة، يعتبر صاحبها دومًا شخصًا مجرم لا يجوز السماع له، ربما لضيق آفاقهم الدينية، أو لضعف إيمانهم الذي قد يهزّه بعض التساؤلات التي راودت نفسي، حتى كِدت أن أتخلص منها بالتخلص من روحي ذاتها.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -